عبدالله محمد عبدالعزيز
عدد المساهمات : 26 نقاط : 10309 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 03/12/2010
| موضوع: بسم الله الرحمن الرحيم الأحد يناير 23, 2011 9:57 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفرهونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضللفلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسولهيا أيهاالذين آمنو اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
يا أيهاالناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا . a
يا أيهاالذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم .
ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما .
اليأس و القنوط من رحمة الله.
-تعريف القنوط و حكمه.
الله سبحانه وتعالى ذو رحمة واسعة،ذو رحمة خاصة بالمؤمنين، و على العباد أن يتقوه و أنيعبدوه،راجين رحمته،خائفين من عقابه.
فالمؤمن يكونبين الخوف و الرجاء،لا يغلبجانب الخوفحتى يقنط منرحمة الله أو ييأس من روح الله،ولا يغلبجانب الرجاءحتى يأمن من مكر الله عز و جل،فإن طريقة الأنبياء و المرسلين أنهم يدعونربهم رغبا و رهبا،كما ذكر الله تعالى ذلك عنهم.
و قالأيضا:"أو لئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته و يخافون عذابه"(الإسراء:57).
فإذا أخذالإنسان جانب الخوف فقط،و بالغ في ذلك،حتى يقنط من رحمة الله،فإن الله سبحانه وتعالى قد حكم عليه بالضلال، قال تعالى:"و من يقنط من رحمة ربهإلا الضالون"(الحجر:56)،و كذلك إذا يئس من رحمة الله،كما في قوله تعالى:"إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" (يوسف:87)،وهذهطريقة الوعيديةمن الخوارج و غيرهم،الذين غلبواجانب الوعيد، و شددوا في ذلك،حتى ضلوا و العياذ بالله.
الفوزان:المنتقى1/497
تعريف اليأس والقنوط :.
جاء فى المحيط فى اللغة لابن عباد :. قنط قَنِطَ يَقْنَطُ وقنَطَ يَقْنِطُ قُنُوْطاً: وهو اليَأْسُ من الخَيْرِ.(1/457)
وجاء فى القاموس المحيط :. اليَأْسُ واليآسَةُ القُنُوطُ، ضِدُّ الرجاءِ، أو قَطْعُ الأَمَلِ . ( 2/124)
جاء فى الفروق اللغوية :. (الفرق بين القنوط والخيبة واليأس: أن القنوط أشد مبالغة من اليأس وأما الخيبة فلا تكون إلا بعد الامل لانها إمتناع نيل ما امل، فأما اليأس فقد يكون قبل الامل وقد يكون بعده، والرجاء واليأس نقيضان يتعاقبان كتعاقب الخيبة والظفر، والخائب المنقطع عما أمل.) (1750 الفرق بين الخيبة واليأس :الخائب: المنقطع عما أمل، ولا تكون الخيبة إلا بعد الامل، لانها امتناع نيل ما أمل. واليأس قد يكون قبل الامل.) (1751 الفرق بين القنوط واليأس: اليأس: انقطاع الطمع من الشئ، والقنوط: أخص منه، فهو أشد اليأس.) وقال الراغب: (القنوط: اليأس، وقيل هو من الخير، فهو أخص من مطلق اليأس، ويدل عليه قوله تعالى: " لا تقنطوا من رحمة الله ") الفروق اللغوية (1/435 /436 ) جاء فى لسان العرب ( يأس ) اليَأْس القُنوط وقيل اليَأْس نقيض الرجاء(6/259)
يقول الألوسي في روح المعاني قي تفسير الآية 3 من سورة المائدة : واليأس انقطاع الرجاء وهو ضد الطمع. يقول الشعراوى (وهناك فرق بين " يأس " و " استيأس " ، فـ " يأس " تعني قطع الأمل من شيء. و " استيأس " تعني: أنه يُلِحّ على قَطع الأمل...أي أن الأمل لم ينقطع بعد)
وعند الطبرى فى التفسير (إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ- يقول: إذا هم يـيأسون من الفرج والقنوط: هو الإياس) إلا أن في سورة فصلت جاءت الكلمتان في جملة واحدة مما يؤكد أن اليأس غير القنوط
( لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوط)فصلت49 يقول الألوسي في هذا الفرق : فإن القنوط أن يظهر عليه أثر اليأس فيتضاءل وينكسر، ولما كان أثره الدال عليه لا يفارقه كان في ذكره ذكره ثانياً بطريق أبلغ، وقدم اليأس لأنه صفة القلب وهو أن يقطع رجاءه من الخير وهي المؤثرة فيما يظهر على الصورة من التضاؤل والانكسار
ويؤكد ذلك ابن عاشور بقوله في المسألة السادسة : : إتْباع { يؤوس } بــ { قنوط } الذي هو تجاوز إحساس اليأس إلى ظاهر البدن بالانكسار، وهو من شدّة يَأسه، فحصلت مبالغتان في التّعبير عن يأسه بأنّه اعتقاد في ضميره وانفعال في سحناته. فالمشرك يتأصّل فيه هذا الخُلق ويتزايد باستمرار الزّمان. والمؤمن لا تزال تربية الإيمان تكفه عن هذا الخلق حتى يزول منه أو يكاد.
مما تقدم نستنتج أن هناك فرقا بين اليأس والقنوط
اليأس هو قطع الرجاء من الأمر وهو اعتقاد محله القلب أما القنوط فهو حالة شعورية تعتري الشخص من جراء انتفاءالطمع في الشيء ويظهر في إحساسه وتصرفاته .
يقول الدكتور د. فايز عبد الفتَّاح أحمد أبوعمير:.
تحريم القرآن الكريم والسُّـنَّة النَّبوية لليأس والقنوط:
لقد تظاهرت نصوص القرآن الكريم والسُّـنَّة النَّبوية المطهَّرة في النَّهي عن اليأس والقنوط من رحمة الله واليأس عن الوصول إلى الغاية المنشودة؛ بل جعلت القعود وفتور الهمم وضعفها منافياً للإيمان وللغاية التي خُلِقَ الإنسان من أجلها، قال تعالى ( ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)
وقال تعالى ( قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) . وقال تعالى( وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) .
وقال تعالى ( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤساً) . وقال تعالى (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤوس قنوط) . يقول سيد قطب: "إنَّه لا يقنط من رحمة ربِّه إلا الضَّالون، الضَّالون عن طريق الله الذين لا يستروحون روحه، ولا يحسون رحمته، ولا يستشعرون رأفته وبره ورعايته ، فأمَّا القلب الندي بالإيمان المتَّصل بالرحمن، فلا ييأس ويقنط مهما أحاطت به الشدائد، ومهما ادْلَهَمَّتْ به الخطوب، ومهما غام الجو وتلبَّد، وغاب وجه الأمل في ظلام الحاضر وثقل هذا الواقع الظاهر فإنَّ رحمة الله قريبٌ من قلوب المؤمنين المهتدين، وقدرته تنشئ الأسباب كما تنشئ النتائج وتغيِّر الواقع كما تغيِّر الموعود".
ولقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم القنوط بفواحش الأعمال وبالشرك، فعن فُضالة بن عبيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصياً، وأَمَة أو عبد أَبِقَ فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم. وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله عز وجل رداءه فإنَّ رداءه الكبرياء وإزاره العزة، ورجل شك في أمر الله، والقنوط من رحمة الله".
كما حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من القعود والعجز عن القيام بالأعمال، والتعلل بتعليلات واهية لا تليق بالإنسان الذي أعده مولاه للخلافة في الأرض وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من العجز والكسل والقعود باعتبار كونه يحط من إنسانية الإنسان، ويقعده عن القيام بمهام الرسالة التي كُلِّف بحملها.
فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ "لو" تفتح عمل الشيطان) .
عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني).
كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إشاعة حالة الإحباط في الأمة، واعتبر ذلك من الأمور المهلكة لصاحبها وللأمة على حدٍ سواء .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم). قال أبو إسحاق: "لا أدري أهلكهم بالنصب أو أهلكُهم بالرفع".
يقول الباحث القرانى عبد الكريم عزيز :. حالات اليأس : من رحمة الله – من روح الله – من العبادة- من المحيض- من أصحاب القبور – من الإسلام –في حالة نزع الرحمة – مس الشر - من الآخرة – من إيمان الكافرين
وبالتالي ينقسم اليأس إلى قسمين : يأس محمود : من المحيض – من أصحاب القبور- من إيمان الكافرين
( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ... ) الطلاق4
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ )الممتحنة13
(..ً.أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ...َ )الرعد31
يأس مذموم : من رحمة الله – من روح الله- من الآخرة – من نزع الرحمة – من مس الشر
حالات القنوط : مس الشر – من انحباس الغيث- من عدم الولد – المصيبة - من رحمة ربه
وهو حالة شعورية تعتري الإنسان بصفة عامة إلا أن المؤمن بقوة إيمانه تنتفي منه هذه الصفة ولنتأمل قوله تعالى :
( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )البقرة 156،157
هناك علاقة وطيدة بين الرحمة والهداية فالمهتدون صلتهم وثيقة بربهم تعمهم الرحمة فلا مكان للقنوط عندهم . والقنوط مذموم في جميع الأحوال لأنه ليس من صفات المؤمنين.
أما غير المهتدين وهم الضالون : فيقول عنهم الحق تعالى : ( وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ )الروم36
لذلك نجد في قصة ابراهيم عليه السلام ردا على الملائكة : ( قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ )الحجر56 يقول السيد قطب في الظلال : وبرزت كلمة { الرحمة } في حكاية قول إبراهيم تنسيقا مع المقدمة في هذا السياق؛ وبرزت معها الحقيقة الكلية: أنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون. الضالون عن طريق الله، الذين لا يستروحون روحه، ولا يحسون رحمته، ولا يستشعرون رأفته وبره ورعايته. فأما القلب الندي بالإيمان، المتصل بالرحمن، فلا ييأس ولا يقنط مهما أحاطت به الشدائد، ومهما ادلهمت حوله الخطوب، ومهما غام الجو وتلبد، وغاب وجه الأمل في ظلال الحاضر وثقل هذا الواقع الظاهر.. فإن رحمة الله قريب من قلوب المؤمنين المهتدين. اهـ
مفردات...كلمات..... ظاهرها ....قمة الإستسلام !! وباطنها...قمة الإستهزاء بالثروات المكنونة بداخل كل منا .... أو بالأحرى....إستهانة بما وهبه الخالق من ..كنوز المهارات و القدرات ... و ما هيأ له منها من ادوات دالة عليها ... وموصلة اليها.... عقل حواس روح جسد كلمات كافية لتدمير ذاتك لا أقدر لا أستطيع أخاف أن أحاول اخشى التجربة قد أفشل متردد لن انجح ولم كل هذا دائما توكل على الله .. وابذل الأسباب و ثق في نفسك و حتما ستنجح ....
الأمل وسط الظلام: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾[الشعراء: 61 - 68]. ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 128 - 129]. ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [البقرة: 249 - 252]. وهكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم .. البشارة عند الضيق لعلمه أن مع العسر يسران كما قال، ولعلمه أن سيجعل الله بعد عسر يسرًا، ولعلمه أن الله قد جعل لكل شيء قدرًا، ولعلمه بصدق وعد الله تعالى .. وغير ذلك مما أوحى ربه إليه. ولهذا لما جاءه خبر خيانة قريظة قال الله أكبر فتحت كذا وفتحت كذا، وحدَّث الصحابة عن مجال أكبر بكثير مما هم فيه الآن وعن أفق لم يفكروا فيه وهو كنوز كسرى وقيصر! وهذا مع الوحي تعبد لله تعالى: «قال ابن إسحاق: وحدثت عن سلمان الفارسي أنه قال: ضربت في ناحية من الخندق فغلظت عليّ صخرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني، فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان عليّ نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة ثم ضرب به ضربة أخرى فلمعت تحته برقة أخرى قال: ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى قال: قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما هذا الذي رأيت لمع تحت المعول وأنت تضرب؟ قال: «أوقد رأيت ذلك يا سلمان؟»، قال: قلت: نعم. قال: «أما الأولى فإن الله فتح عليّ باب اليمن وأما الثانية فإن الله فتح عليّ باب الشام والمغرب وأما الثالثة فإن الله فتح عليّ بها المشرق». قال البيهقي: وهذا الذي ذكره ابن إسحاق قد ذكره موسى ابن عقبة في مغازيه، وذكره أبو الأسود عن عروة في السيرة. قال عمرو بن عوف: فكنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن وستة من الأنصار في أربعين ذراعًا فحفرنا حتى إذا بلغنا الندى ظهرت لنا صخرة بيضاء مروة، فكسرت حديدنا وشقت علينا، فذهب سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة تركية فأخبره عنها فجاء فأخذ المعول من سلمان فضرب الصخرة ضربة صدعها، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها ـ يعني: المدينة ـ حتى كأنها مصباح في جوف ليل مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، وكبر المسلمون، ثم ضربها الثانية فكذلك ثم الثالثة فكذلك، وذكر ذلك سلمان والمسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه عن ذلك النور، فقال: «لقد أضاء لي من الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ومن الثانية أضاءت القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ومن الثالثة أضاءت قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا»، واستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعود صادق. قال: ولما طلعت الأحزاب قال المؤمنون: ﴿ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ﴾، وقال المنافقون: يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تبرزوا!. فنزل فيهم: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ). وانظر إلى من فقد ابنه .. وبعد زمن يفقد آخر .. وثالثًا يأبي الرجوع .. فكلما زاد البلاء زادت بشارته عكس ما يتوقعه الخلق .. فعندمـا بـدأ البـلاء بقولهم: ﴿وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ*قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ*وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾ [يوسف: 16 - 18]، كانت إجابتـه: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: 18].. فلما زاد البلاء بهذه الرسالة: ﴿ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [يوسف: 80 - 82]، زادت عبادته وبشارته. ففي يوسف قال: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾[يوسف: 18]. وهاهنا زاد مع الصبر حسن الظن: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83]. بل وعبودية ثالثة: طلب الرجاء والسعي في تحقيقه: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾[يوسف: 87].
واليائس من ذنبه جعل له نداء كل لحظة: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[الزمر: 53]. وجعل عنوانًا دائمًا بذكر صفات الله: ﴿ حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾[غافر: 1 - 3]. يقول البيضاوي: «وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفات الرحمة دليل رجحانها([3])». ويد ربك مبسوطة لنا ليلاً لنتوب مما اجترحنا في نهارنا، ومبسوطة لنا نهارًا لنتوب من جراحات ليلنا .. والله يفرح بعبده التائب .. بل وينادي العاصي من قريب .. فالمعرض عن ربه، ربُه ينتظره ويدعوه .. فكيف بالمقبل عليه؟. وخزائن ربنا لا تنفذ لا خزائن المال ولا العلم ولا العطاء من ولد ومن مسكن ومن زوجة ..
تابع
| |
|